30‏/11‏/2010

بين الكلاب المسعورة وصورة بشير الجميل يصوغ ارى فولمان رقصته الخاصة على ايقاع الفالس.بين الكلاب المسعورة وصورة بشير الجميل يصوغ ارى فولمان رقصته الخاصة

وين العرب, وين ... بهذه الجملة من اللقطة الوثائقية الحية الوحيدة فى الفيلم اختار المخرج ارى فولمان أن ينهى رحلة التطهر من المسؤلية، وكأنه يقول بطريقة غير مباشرة, هذا هو دورى الحقيقى وقد قمت به على أكمل وجه وحاولت معالجة جنودى أم ما بقى فهو قضية العرب ليحلوها بمعرفتهم. والحق أنى أؤيده بعض الشئ فى رسالته- العلاجية- وأستغرب كل من وجه للفيلم ومخرجه من اتهامات باعتباره يحيد عن القضية الأصلية (مجزرة صبرا وشاتيلا) ويحاول تبرير موقف جنوده من الحرب، فأنا أرى أن رسالة الفيلم واقعية للغاية بل وقد تكون محمودة أيضا اذا ما أخذنا فى الاعتبار انتماء مخرجه (وصاحب القصة الحقيقية أيضا) القومى والعقدى.

- يبدأ الفيلم بمشهد لمجموعة من الكلاب السوداء تجرى فى الشوارع حتى تتوقف أمام أحد النوفذ التى يطل منها رجلا لا نعرفه، لاحقا نعرف أن هذا كان مجرد حلم يطارد أحد أصدقاء المخرج - الذى كان مجندا فى الجيش أيام حرب لبنان- مما دفعه أن يطلب من صديقة صنع فيلم للبحث عن حقيقة مجزرة صبرا وشاتيلا ومن المسؤول الحقيقى عنها متسائلا... أليست الأفلام طريقة للعلاج أيضا؟ - من هنا تبدو رسالة الفيلم جلية واضحة لا مواربة فيها أو قراءة لمشاهد بين السطور فالفيلم هدفه علاج بعض الجنود العائدين من حرب لبنان من المسؤولية النفسية الواقعة عليهم، والمخرج يوضح ذلك بكل صدق، ولكن، ما الذى سيكتشفه المخرج فولمان فى نهاية رحلة التطّهر تلك؟... الجواب ستعرفونه من خلال أحداث هذه التجربة السينمائية المثيرة للاهتمام.

الفيلم وثائقيا فى الأصل- الا أننا نراه مغرق فى الذاتية مفضلا الخاص على حساب العام وهو أمر ربما يفيد الهدف وراء صنع الفيلم فى الأصل لكنه على مستوى البنية السردية ملء بنقاط الضعف بداية من قلة المصادر المتاحة وكان يمكن للمخرج اذا تأنى فى البحث قليلا أن يجد مصادر أخرى، الا أنه اعتمد هنا على مجموعة أصدقاءه فى الجيش بالاضافة الى رون بن يشاى الذى كان من نقاط الضعف أيضا -لاحظوا المشهد الذى يمشى به متجنبا الرصاص- والعديد من التفاصيل على جعلت الفيلم يميل أكثر الى الروائية على الوثائقية الا أن السيناريو - مع هذا- لا يزال يحمل فى طياته فكرة مثيرة للأهتمام الى حد بعيد وبعض الحسنات التى دعّمت البنية الروائية للفيلم ويظهر ذلك فى الخط السردى الرئيسى فى رحلة المخرج للبحث عن تفسير لحلمه ويأخذنا من هنا فى عمق فلسفى لمحاولة استيحاء الدلالة الرمزية لما يراه المخرج، لكن مع ذلك لا يحاول السيناريو التعمق فى الأسباب أكثر من ذلك ويكتفى برمزية ذلك الحلمه.


- البطل الحقيقى لهذا العمل من وجهة نظر شخصية هو ارى فولمان (المخرج)، اجواءه البديعة هى ما أكسبت هذا العمل رونقه الخاص فهو يقدم تمازجا رائع بين الأجواء السيريالية متمثلة فى تضارب الألوان التى تعطى مقدار كبير من القتامة والكأابة مما يدعم فكرة الذاتيه التى تحدثت عنها بالأعلى وبين المشاهد الواقعية فى تصوير الشهادات الواقعية على المجزرة، يصور لنا بحرفيه كبيرة -مراهقة- جنود الجيش الاسرائيلى و حالة الجهل التى أصابتهم -حسب وجهة نظر الفيلم- لقطاته لشارون التى تلقى بالمسؤلية على المؤسسة العسكرية، تكوين مشهد الحلم البديع حين يرى المخرج نفسه خارجا من البحر -ومعه اخرين- عراه مما يؤكد على فكرة المراهقة التى يتبنّاها الفيلم كوسيلة للعلاج، كل تلك المشاهد صنعت تكوينا بصريا مميزا يستحق التقدير.


- بشكل عام يمثل (الرقص مع بشير) تجربة مميزة باعتباره أول فيلم وثائقى ينفّذ باسلوب الرسوم المتحركة، ويبقى فيلم جدير بالمشاهدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق